19 - 06 - 2024

ترنيمة عِشق | (حمراء لا شِيَة فيها)

ترنيمة عِشق | (حمراء لا شِيَة فيها)

بفتوىٰ حاخامية كبرىٰ.. حُرّم على اليهود دخول المسجد الأقصىٰ إلا بإشارة "إلهية" تسمح لهم بأن يتطهروا من نجاسة الأموات.. وذلك برماد "بقرة حمراء" (لا عيب فيها ولم يعل عليها نير).. أي لم تعمل بالحرث.. طبقّا لما جاء في (سِفر العدد) أحد أسفارهم المقدسة.

مواصفات تكاد تنطبق مع أوصاف "بقرة بني إسرائيل" الوارد ذكرها بالقرآن الكريم على مدى سبع آيات.. تلك السّورة التي فضحت سمْت القوم آنئذ الذين اشتهروا بعنادهم وكِبرهم وقسوة قلوبهم وكِذبهم.. والآن يدهشنا بل ويسْخر منّا التّاريخ محاولًا استعادة الأحداث بصلفٍ وغرورٍ وجحودٍ لا مثيل له.

قبل "طوفان الأقصىٰ" تواترت الأنباء عن استيراد أفضل "خمس بقرات حمراء" من ولاية "تكساس" بأمريكا لتصل أراضينا المحتلة.. بعد أن تمت زراعة أجنتها المجمدة في رحم بقرة.. وباستخدام الهندسة الوراثية والتّكنولوجيا الحيوية تمّت ولادتها بمواصفات خاصة.. أهمها لونها الأحمر الذي لا يخالطه أي لون آخر.

تمت تربية الأبقار الخمس سرًّا في مزرعة في "بيسان" شماليّ الأغوار الأردنية.. المزرعة تابعة لمعهد "المعبد" طِبقًا لما ذكرته صحيفة: "ميدل إيست مونيتور".

معهد "المعبد" كرّس مجهوده مذ إنشائه بأمريكا عام 1987 لأجل العثور على هذه "البقرات" فقط (!!) ومضى يجمع التّبرعات من الجماعات "الصّهيو..نية" الأمريكية و"المسيحيين الإنجليين" حتى تم اختيار خمسٍ وشحنها لدولة الكيان في منتصف سبتمبر/أيلول 2022.. لتنتظرها حكومة "اليمين" الأكثر تطرّفًا في تاريخ إسرا..ئيل كي تُبرر اقتحام "المسجد الأقصىٰ" وتدميره وبناء الهيكل المزعوم.. تمهيدًا لنزول "المسيح" المنتظر حسب معتقداتهم.

يُشترط في "البقرات" ألا تعمل بالحرث ولا تسقي الزّرع ولا يركبها أحد.. ولا تُربط بحبل.. ولا تعاشر ثورًا.. بل تُترك حرة طليقة.

وبعد أن يتخطىٰ عمرها العامين ويزداد بشهرين يتم اختيار أفضلها لذبحها على "جبل الزّيتون" قبالة مسجد "قبة الصّخرة" من جهة الشّرق.. ثم حرقها وخلط رمادها بماء نقيّ من "عين سلوان" بالقدس.. ثم يُرش اليهوديّ حتى يتطهر من نجاسة الموتىٰ.. لاعتقادهم أنه ما من يهوديً إلا ومرّ جوار ميت.. والميت إذا خرجَت منه الرُّوح بات نجسًا !! لذلك فهم يستعيدون "الطّهارة الطّقسية".

بعد التّطهر يصبح من حقه اقتحام المسجد الأقصىٰ.. ثم هدمه وبناء هيكلهم الثّالث المزعوم ارتكانًا لضخامة عددهم.. وهذا يعني أننا سنتفاجأ بنحو مليون ونصف المليون من المتطرفين يقتحمون "أقصانا" كل يوم وكل ساعة.. بدلًا من ألفي شخص كأكبر فوج كان قد اقتحم المسجد يومًا ما.

أول إبريل/"نيسان العبري" 2024 -يوافق احتفال المسلمين بعيد الفطر المبارك- يصبح عمر البقرات ست وعشرين شهرًا.. وهو السّن المناسب لذبحها -حتى عُمر الثّلاث سنوات- ويعتقدون أنه في مثل هذا اليوم ذبحوا بقرتهم إبان نبوة "موسى" عليه السّلام.. ومذ ذلك اليوم فقد ذبحوا تسع بقرات.. آخرها كانت مذ ألفي عام.. ولم يتبقَ غير البقرة "العاشرة" التي يُعدّونها حاليًا.

ظهرت بعض الدّلائل تؤكد استعداد دولة الاحتلال لتلك الطقوس.. فقد أعلن معهد "المعبد" عثوره علىٰ تسعة كهنة متطوعين يهود بغرض التّدرب على عملية الذّبح.. وقد اشتُرط عليهم أن يكونوا قد ولدوا في بيوتهم أو بمشفى "القدس".. وألا يكونوا قد مروا بميت ضمانًا لطهارتهم..كما تم عقد مؤتمر في مستوطنة "شيلوه" شماليّ "رام الله" بالضّفة الغربية لنفس الغرض.

"اليمين المتطرف" بدولة الاحتلال و"نتنياهو" و"الجمهوريون الأمريكيون" -والذين يُتوقع سيطرتهم على الحكم بأمريكا بعودة "ترامب"- و"المسيحيون الإنجليون" يرَون أن البيئة المهيئة لنزول "المسيح" لابد وأن يصاحبها حرب هائلة ليست إقليمية بل عالمية.. ومن هنا يمكننا فهم حرص المحتل على إطالة وتوسيع الحرب على "غزّة".

نتنياهو يعلم جيدًا أن انتهاء الحرب ووقف إطلاق النّار يعقبها محاكمته ودخوله السّجن بسبب القضايا التي تنتظره.. لذا نراه يطيل أمد بقائه في منصبه.. ولذلك يتحالف مع التّيار الدّينيّ/اليمين المتطرف الذي يروج للأساطير التّوراتية.. ولا يأبه كذلك بالرّئيس الأمريكي "بايدن" الذي تنتهي ولايته قريبًا.. معلقًا الأمل علىٰ تولي الجمهوريين مقاليد الحكم في "أمريكا".. مستندًا كذلك على الجماعات "الصّهيو..نية" المتطرفة و"المسيحية" بها.

جدير بالذّكر.. أنه في اليوم الواحد والثّلاثين من يناير/كانون الثّاني الماضي.. عُقد يوم وطنيّ للصلاة بواشنطن في متحف "الكتاب المقدس".. حضرها رئيس مجلس النّواب الجمهوريّ الأمريكيّ وعشرون سيناتور آخرون.. وكان ضيف الشّرف الحاخام "اسحق مامو" و"بايرو استونسن" اللذان أحضرا البقرات.. بحضور عضو متشدد من الكنيست الإسرا..ئيليّ.

شرٌ مستطير أُريد بأوطاننا وأراضينا ومقدساتنا وشعوبنا.. والتّيارات الدّينية المتشددة التي تحكم "دولة الاحتلال" تحيك وتشعل ثوب التّطرف.. وتُصر على إذكاء رحي الحرب المستعرة واتساع رقعتها.. لا يهم مداها ولا حجم الدّمار ولا آلاف الأرواح الزّاهقة.. ولا يقيمون وزنًا لقضية أَسراهم لدى المقاومة والعمل على استعادتهم.. لا شيء يبغونه غير القتل والذّبح والدّمار والتّهجير القسريّ وتأجيج الحروب في سبيل تحقيق أطماعهم.

فهل تعي شعوبنا الخطر المُحدِق بالمسجد "الأقصىٰ" بل بفلسطين كلها.. ومن بعدها بقية شعوب "القَصعة" ؟!.. أو تدرك مغزىٰ قصّة "الثّور الأسود" الذي فهمها وهو في الرّمق الأخير: قد أُكلتُ يوم أُكِل الثّور الأبيض"؟!
----------------------
بقلم: حورية عُبيدة


مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | حتىٰ أنت يا بروتس ؟!





اعلان